• Ensemble FALDI FSM

Fethi Ben Haj Yahia : الحرقةإلى قيس سعيد كالحرقة إلى لمبيدوزا

from Mouhieddine Cherbib on Jul 22, 2022 06:40 PM
 Très intéressant...!

Bonjour

Merci de trouver ci dessous et en Pj une texte (FB) de mon ami, l'écrivain
Fathi Ben Haj Yahya, au sujet de l'adhésion de certaines couches populaires
au discours de Kais Saied, - Bonne lecture

Amitiés Mouhieddine

*Fathi Ben Haj Yahia*

  ·

حكاية القطرة والميزاب

فتحي بن الحاج يحيى - 20 جويلية 2022

ما الذي يدور في ذهن شباب يرمي بنفسه في البحر باتجاه لمبيدوزا ؟ وهل من تفسير
آخر لجموع جعلت من مقصدها مدينة لا تعرفها ولا يهمّها أن تعرفها طالما أنّ
المراد ليس تلك المدينة بعينها بل ما يمكن أن تفتحه من باب أمل على شيء آخر
مخبّئ وراءها، محمّل بأكثر من وعد، ومطلّ على عالم الممكن حتى وإن ظلّ غامضا
وغير مؤكّد. وربّما الأهمّ هو ما تركه ركّاب القوارب وراءهم من حياة لا حياة
لهم فيها.

في إحدى نقاشاتنا صلب جمعية "نشاز"، أطلق صديقي هشام فجأة تلك الجملة عن قيس
سعيّد بقوله: "إنّهم يذهبون إلى قيس سعيّد كما يذهبون إلى لمبيدوزا". ولئن
استوقفني هذا التشبيه أو المقارنة، فلما يحيله إلى أكثر من معنى عن الدّوافع
العميقة التي تحرّك عددا كبيرا من الدّاعمين لرئيس أقلع بهم من المستنقع بحثا
عن تونس أخرى، أو هكذا يخال لهم حتّى وإن آل الأمر إلى الغرق كما هو الشأن
تماما بالنسبة للمبيدوزا، فالأهمّ هو الخروج من منطقة الرمال المتحرّكة التي
تجذب الجميع إلى الأعماق في انتظار تجليات المستقبل. ورُبّ وَهْمٍ أقوى من
جميع الحقائق!

الطيّف الديمقراطي والحقوقي من جمعيات وأحزاب بصدد التحرّك اليوم في محاولة
شبه مستحيلة للتّصدّي لمشروع الدّستور الجديد وإفشال الاستفتاء سواء بالمناداة
بمقاطعته من الأساس أو بالتّصويت بـ"لا". ومرّة أخرى تتعثّر الخطى ولا نتوصّل
إلى السير بنفس الوتيرة واستجماع القوى لبلوغ نفس الهدف. نبقى زمنا طويلا نعيش
الفرقة ثمّ نريد في لحظة واحدة إصلاح ما أفسده الدّهر.

والأدهى من ذلك أنّنا بقينا ننتج أفكارا ونبني تحليلات أقلّ ما يقال فيها، رغم
وجاهتها "العلمية" ورجاحة حججها، أنّها موجّهة لإقناع المقتنعين سلفا لا أكثر.
فمجموع المداخلات واللّقاءات حول ما ورد في أحكام الدّستور الجديد من مخاطر قد
تفتح الباب على الاستبداد السياسي والعودة إلى حكم الشخص الواحد، وانزلاق
البلاد نحو التخلّي عن الدّولة المدنية جراء التوطئة والفصل الخامس أساسا، لئن
تميّزت بالعمق بفضل أساتذة القانون الدّستوري، تظلّ مقاربات تستحثّ التّفكير،
وتتوجّه إلى عقل المواطن، وتقيم الحجّة بالمنطق والدّليل لكنّها تقف عند هذه
العتبة ولا تتخطّاها.

وأقصد بذلك أنّ انخراط المواطن في الحياة السياسية وتعامله مع قضاياه المعيشية
والوجودية لا يمرّ عبر العقل وحده. فلموقعه في السلّم الاجتماعي، ومدى
الإمكانيات المتاحة له للاستفادة من الديمقراطية، وحظوظه في المشاركة فيها،
دور هامّ أيضا ومحدّد أحيانا في تشكّل وعيه إضافة إلى مشاعره وأحاسيسه وتراكم
الغضب داخله جرّاء الحرمان والإقصاء وعدم امتلاك "مقوّمات" الاستفادة من خدمات
الدّولة. كلّنا يعلم أنّ للمنشأ الاجتماعي دور مصيري في تحديد نوعية التعليم
الذي يتلقاه الفرد خاصة بعد تراجع التعليم العمومي لفائدة التعليم الخاص، وفي
امتلاك "أكتاف" وشبكة معارف ووساطات لقضاء أبسط الشؤون الإدارية، ناهيك عن
الولوج إلى مرفق الصحّة العمومية المهترئ بطبعه واستحالة الانتفاع بالعلاج في
القطاع الخاصّ، واعطف على النّقل وانتظار الحافلات انتظار مجيء غودو،
والطوابير المملّة أمام مكاتب البريد أو المعتمديات لتسلّم منح التقاعد أو بعض
المساعدات المهينة في درجات حرارة صباحية تناهز 37,2 صباحا، إلخ.

هؤلاء المواطنون وغيرهم من الشباب الذي لا تمرّ مقابلة كرة قدم إلاّ وحمل معها
وشما آخر على جسده رُسم بعصا البوليس، وأحيانا دون سبب لمجرّد نزوله أحد شوارع
العاصمة أو تجواله في إحدى ضواحيها الراقية دون أن تتوافق سحنته مع مناخ
المكان، عندما يُسأل أحدهم عن رأيه في الدّستور وأنّ فيه مساس بأبجديات حقوق
الإنسان، وعدم فصل سليم بين السلط، وتخلّ عن مفهوم الأمّة التونسية لفائدة
الانتماء إلى الأمّة العربية الإسلامية، قد يظلّ ينظر إليك وهو يبحث عن الفرق
أو العلاقة بين المساس بحقوق الإنسان والمساس بالإنسان ذاته في جسده مباشرة
بالضّرب والاعتداء اللّفظي والمعنوي، والقتل أحيانا دون أيّ محاسبة.

ليس في الأمر تقليل من قدرة بعض هؤلاء الشبان والشابات على الرّبط بين خصوصية
أوضاعهم والأبعاد التجريدية للدّستور والقوانين بل هو مجرّد تذكير بالفرق بين
من يأتي العقد الاجتماعي من باب الفكر السياسي والمبادئ العامّة أي بفعل عملية
ذهنية عقلية ووعي مواطني ناجز، ومن يأتيه حاملا معه جسده كعنصر تفكير وآلية
تحليل لا تنفصل عنده عن العقل المحض.

كنت كتبت يوم 18 مارس 2011 متحدّثا عن مئات الآلاف من شباب الأحياء الذين
خرجوا لحماية ديارهم بعد انسحاب البوليس: "... ما الذي سيجري غدا مع كلّ هذا
الشباب الذي خرج من هامش الوجود ليعيش أيّاما معدوداتٍ شعور الذي يأخذ مصيره
بيده، ويحلّ محلّ الأمن والدّولة في الحفاظ على البلد، ويسجّل حضوره في مشهد
التاريخ، وتعيد إليه شاشات التلفزيون صورته كفاعل في الأحداث بعد أن كان رقما
بدون وجه في الإحصائيات السكانية ودفاتر الرّافل وقائمات المعطلين عن الأمل
ألخ... ما الذي سيجري يوم سيُقال له: انتهى الحلم يا ولدي، ولتعد الآن إلى
هامش الحياة وراء ستار الصورة والتاريخ ؟" .

هذا الستار ربّما هو ذلك الذي رفعه قيس سعيّد عن هؤلاء أو عن جزء هامّ منهم،
وقد كبروا في الأثناء وعاشوا عشر سنوات من العبثية السياسية في أرقى تجلياتها،
والتحقت بهم أجيال أخرى أصغر فتحت أعينها في زمن جديد مفارق: فهي تسمع عن
الاستبداد النّوفمبري وديكتاتورية بن علي وفساده وسطوة عائلته، وتعيش يوميا
سطوة البوليس وعنفه، واستفحال الفساد بكلّ أشكاله وأنواعه داخل الدّولة
وخارجها، وتشعر بأنّ ثورتها قد صودرت منها من طرف سياسيين بلغوا من العمر عتيا
وتجاوز البعض من رموزهم عتبات الثمانين والتسعين وهم يمجّدون "ثورة الشباب"
ويقرّون بأنّ الشباب هو الذي قام بها.

عندما تبلغ الأحزاب السياسية، وخاصّة منها المناضلة، هذه الدّرجة من العقم
والفشل ويهجرها شبابها وخيرة مناضليها، وتطلع أخرى جديدة لتضخّ في سوق السياسة
فئة جديدة من الغولدن بوي المستوردين من الخارج بدعوى تخرّجهم من أفضل المدارس
العليا الأوروبية في فنّ الماركينيغ والمونيتيريغ، ويتمكّن المال القادم من
الخارج والدّاخل من المشهد السياسي ليُصنِّع وجوها ويفرض خيارات لا علاقة لها
بالتطلّعات التي قامت من أجلها الثورة من ردم للهوّة بين الجهات، وتوفير الشغل
للجميع، والرّفع من مستوى الخدمات العامّة، والحدّ من الفقر، والنّهوض بالقطاع
الفلاحي، ووقف الخراب البيئي والفوضى العمرانية للبلاد... فالنتيجة هي
تَكَوُّن بؤرة أو بؤر تتجمّع فيها سيول الإحباط وفقدان الأمل وتتحوّل تدريجيا
أو فجأة، لسبب أو لآخر، إلى غيوم غضب، وتمرّد، ورفض، وانفجار.

وكما يَنْبُتُ التَّدَيُّن والحاجة إلى التلحّف بالهوية بين الشقوق التي
صنعتها الحداثة المسقطة من الدّولة خارج مناخ الحرية والديمقراطية، تنبت
الشعبوية بين مفاصل اليأس وتتغذّى بالشعور بأنّ الوطن يحتضن غيرك أكثر من
احتضانه لك، وأنّ حظّ البعض من البلد كحكاية حظّ الذكر نسبة إلى الأنثيين، هذا
إن بقي شيء من التّركة.

لسنا هنا بصدد تبرير ما يأتيه أنصار قيس سعيّد من ممارسات أو ما يحملونه من
أفكار على تنوّعها وعدم  كتابا حول ظاهرة قيس سعيد، يذهب إلى القولتجانسها  في
أغلب الأحيان. فخليل عبّاس الذي أصدرت له جمعية "نشاز" بأنّ قيمة سعيّد تكمن
في فتحه الثّغرة التي يجب على قوى اليسار والقوى الديمقراطية أن تسكنها
وبعبارة أخرى فإنّ سعيّد فتح فضاء بقي شاغرا ويتعيّن ملؤه بالمعنى وكأنّ في
الأمر سباقا أو تدافعا على بناء المعنى في فراغ أصبح متاحا، في حين يذهب آخرون
من أصحاب الحملة التفسيرية إلى تثمين الجوانب المحافظة للمشروع، والتصالح مع
الهوية، وسحب البساط من تحت أرجل الإسلام السياسي من خلال الاستفراد بالتأويل
الديني كما ورد في الدستور... دون احتساب مجمل التنويعات الأخرى بين هذا وذاك.

وأيّا كانت التّسميات التي يمكن إسباغها على ظاهرة قيس سعيد من جهة المندفعين
باتّجاهه للأسباب المذكورة أعلاه أو من جهة الذين يرون فيه "رأس كبش" اقتحم به
بعضهم (لا ندري من هم: الجيش؟ الأمن؟ المخابرات المصرية؟ الإمارات والسعودية؟
توافق بين جميع هؤلاء؟ والجزائر؟) باب مدينة الأحلام ليهديها طواعية إلى الشعب
ليفعل بها وفيها ما يريد، فإنّ الوقائع تثبت أنّ للرّجل خططه التكتيكية
والاستراتيجية ولا ينتظر أحدا ليملأ عوضا عنه فراغ المعنى، وأنّ المدينة
مدينته وحده يخطّط لها كيفما شاء لأنّه وحده ترجمان "الشعب يريد".

وسعيّد لم يخلّص الشباب الثائر من عبث البوليس بأجسادهم، ولم يجرأ مرّة واحدة
على توسيع شعاره في المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب إلى الجهات الأمنية التي
يعلم الجميع دور أطراف منها في شبكات الفساد وتجاوز القانون. بل إنّ نفوذ
الجهاز الأمني ما فتئ يتوسّع ويمتدّ ليصبح مكوّنا أساسيا في صناعة السياسة في
البلاد، وصار لوزير الداخلية الثّقل الأكبر في التشكيلة الحكومية.

على أنّ ما يسترعي الانتباه من جهة الصفّ الديمقراطي والتونسيات بالخصوص، ورغم
ما أتاه قيس سعيّد في دستوره الجديد من تراجع عن الصبغة المدنية للدّولة وضبط
المجال الذي تصاغ ضمنه القوانين في إطار مراعاة الهوية العربية الإعلامية التي
يريدها الرجل لتونس، فإنّنا لم نشاهد نفس ذلك الخوف الذي انتاب جزءا كبيرا من
نساء تونس وحرائرها، ولم نسجّل مثيلا، أو حتى أقلّ، لتلك الهبّة النسوية التي
اجتاحت البلاد تصدّيا لحركة النّهضة ومحاولاتها، إلى جانب أطراف أخرى سلفية،
المساس بمكتسبات الخمسين سنة الفارطة في باب حقوق النساء.

البعض يفسّر ذلك بأنّ حركة النّهضة بقدر ما ينظر إليها كخطر داهم لكونها
تتجاوز بُعدها السياسي إلى تنزّلها في المجتمع كظاهرة سوسيولوجية عميقة تعبّر
عن ذهنية سائدة في فهم العالم، وتَمَثُّلٍ للذّات في علاقة بالدنيا والدين،
وفي علاقة بالآخر غير المسلم، وفي كلّ ما يمتّ بصلة إلى الهوية والمحافظة،
فضلا عن امتلاكها ماكينة حزبية انتفعت (بقدر ما اهترأت) من ممارسة الحكم
واختراق دواليب الدّولة، فإنّ قيس سعيّد قد يبدو للبعض مجرّد ظاهرة عرضية
ظرفية بمعنى أنّه أقرب إلى الزّوال منه إلى الديمومة. وبمجرّد عملية حسابية
بسيطة قد يكون الاستنتاج: دعه يستأصل حركة النّهضة بأيّ طريقة وثمن كان،
فاليوم خمر وغدا أمر.

وطبعا، نحن هنا في باب التخمينات ومحاولات الفهم، واستفزاز التفكير والتأمّل
أكثر من كوننا نسبح في عالم اليقينيات.

خلاصة القول أنّ قيس سعيّد سيمرّر دستوره بالصلاة أو بالتكربيص، وأنّ الطيف
الديمقراطي يصعب عليه أن يُنجز في بضعة أيّام وحدة قرار وصفوف لم تُنجز طيلة
العشرية الفارطة، وأنّ المناداة بالنزول إلى جانب عبير موسي وجبهة الخلاص بحثا
عن يوم حشد ينزل فيه الشعب أفواجا إلى شارع الحبيب بورقيبة في ريمايك ليوم 14
جانفي مغامرة لن نكسب منها سوى مزيد الانشقاقات داخل جمعيات المجتمع وصلب
أحزاب المعارضة الديمقراطية التي تشكو بطبعها الهزال وانفضّ عنها مناضلوها
وهجرها شبابها مقارنة بالأيام الأولى للثورة. إضافة إلى أنّ الريمايك لا
يستقيم سوى في السينما.

ربّما الأجدر التفكير في يوم 26 جويلية وما سيأتي بعده، والعمل منذ الآن على
التفكير في آليات عمل جبهوي وتقاربات فاعلة مع تجنّب اتخاذ قرارات اليوم قد
تصعّب أو تقف عائقا غدا أمام التقاءات وائتلافات أصبح الواقع يفرضها بإلحاح.
فالذي قد يُسقط قيس سعيد ليس مظاهرة مهما كبر حجمها بل هو قبل كلّ شيء المعطى
الاقتصادي-الاجتماعي وسقوط الأوهام عن شخصه ومشروعه تبعا لذلك، والحال أنّنا
أبعد من أن نكون مهيئين لتلقّف اللّحظة التي تتطلّب منّا برنامجا فكريا واسعا
قبل أن يكون سياسيا بداية من مراجعة عديد المفاهيم وتحيينها من قبيل الحداثة،
واليسار، والشّعب، والثورة، ودور الدّولة في الاقتصاد من عدمه، إلخ.

هنا، تحديدا، يكون مدار النّقاش... وهنا يُلعب رهان المستقبل القريب والأبعد.

-- 
Cherbib Mouhieddine
0033650520416
0021658710280
Return to date view: threaded or flat